يقول امرؤ القيس
تخيرني الجن أشعارها
فما شئت من شعرهن اصطفيت
يوصف الشاعر غالباً بأنه عبقري نسبة لوادي عبقر، وهو المكان الذي زعموه موطنا للجن ونسبوا إليه كل شيء تعجبوا منه، وقد استمر هذا الاعتقاد إلى يومنا هذا نتيجة ما يتذاكره الناس من عبقريات بعض الشعراء.
فهناك من بحث في تفسير كوامن الخيال لدى الشعراء وحاول أن يبرر حالة الخروج عن الاعتيادية بوجود علاقة ما تربط الشعراء بالشياطين، ومن أبرزهم المؤلف أبو زيد محمد القرشي الذي أفرد فصلا خاصا في كتاب "جمهرة أشعار العرب" بعنوان شياطين الشعراء، ذكر فيه ما شاع بين العرب من هذه الأقاويل.
من هذا المنطلق استطلعنا آراء شعراء اليوم حول معتقدات أزلية لازالت تلقي بظلالها على ما ورائية الحالة الشعرية، ولا يزال جمهور المتابع يشكك في قدرات الشاعر على صياغة قصيدته، وتذهب كل هذه الشكوك أو غالبيتها إلى أن هناك قوى خفية تدعم الشاعر أثناء الكتابة ليأتي بهذه الصورة غير المسبوقة ويطرق أبوابا مؤصدة أو بالأحرى لا يمكن لأي عقل طبيعي أن يطرقه، لذا تمت إحاطة الشاعر بسياج من الاتهامات التي ترمز إلى تلبس الجن لهؤلاء الشعراء، فهنا مجموعة من الشعراء يبدون آراءهم حول التهمة التاريخية الحائمة فوق رؤوسهم...
بداية حدثنا الشاعر الدكتور عبدالرحمن المحسني عن الموضوع فقال: قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وهذا يثبت أن الشيطان يتحرك في مدى الأداء البشري عموما، وأنه حاضر لا مع الشعراء فحسب بل هو مع كل عمل، ولأن العمل الشعري يحاط بشرك الشر دائما حتى شاعت المقولة التي تقول إن الشعر نكد بابه الشر فإذا دخل في باب الخير لان) كما نزلت آيات توهم الربط بين الشر والشعر (والشعراء يتبعهم الغاوون) وإن كان نص الآية لا يخص الشاعر بل يتصل بالراوي والناقد. .كل ذلك مع ماشاع في الجاهلية من شياطين الشعر، سوغ لقضية شياطين الشعراء، ولعل الشعراء قد استملحوا ذلك بحسبه تميزا لهم وهم من يهيمون بالتميز، ما دفع بعض الشعراء قديما وحديثا إلى التمسك بهذه الفكرة على حد قول صاحبهم:
إني وكل شاعر من البشر
شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
والواقع أننا لكي نحرر مثل هذه الفكرة نحتاج إلى أن نعرف ماهية الشعر ؛الذي هو موهبة وهبها الله للشاعر كأي موهبة أخرى يمنحها الله للإنسان فإذا غذاها ونماها بالبنى المعرفية اللازمة نضجت هذه الفكرة وولدت حساسية مفرطة عند الموهوب فأصبح ينطق بكلام متميز عطفا على قدراته الربانية من جهة والتنمية الذاتية للموهبة بالقراءات الشعرية والأدبية التي تقف به على أسرار القول فينطق بكلام مختلف، وتكون روحه قادرة على الاستجابة لدواعي تجارب الحياة المختلفة، ولأجل ما يقوله من كلام مختلف يوسم بأن معه شيطان، والواقع أن معه موهبة متميزة، ولأجل ذلك فإننا إذا آمنا بشيطان الشعراء وجب أن نؤمن بشيطان للمبدع الكروي، وشيطان للمبدع التشكيلي، وآخر للمبدع الصحفي، لأنهم يقدمون إذ قدموا أعمالا خارجة عن مألوف العادة. وقد يسأل أحد: ولماذا الشعراء بالطبع من لصق بهم شيطان الشعر؟
والإجابة ببساطة لأن العرب في الجاهلية لم تكن تؤمن ولا تعرف غير الشعر. وهذا هو تفسيرهم للموهبة التي تلقفها نقاد أدباء كابن شهيد وأبي العلاء المعري فيما بعد، وقليل من الشعراء ليهيموا بالفكرة التي التقت بطرافتها مع تصوراتهم ورغبتهم في التفرد.
وفي رأي آخر للشاعر إبراهيم طالع الألمعي يقول فيه: أسطرة القدرات والظواهر لازمة إنسانية لتفسير كل علّة مجهولة لا يدركها الإنسان.
فقبل إدراك العلة الطبيعية للمطر كنّا نعرف - هنا - مظهر (النُّشءرَة) وهي: ادّعاء المقدرة على استمطاره من فئة يستغلون خبراتهم في معرفة المنازل والفصول والمواسم، مقنعين المزارعين الذين تهيئهم شدة الحاجة إلى الماء الذي يقل هنا، تهيئهم للقناعة بقدرات أولئك.
وكان كل مرض نفسيّ أو اختلال عصبي هو من الجن أو السحر أو العين، وانفصام الشخصية (الشيزوفرينيا) كانت نوعاً من التّلبّس.. وهذا يعود إلى التصور العلميّ المطلق الملازم للإنسان ما دام إنساناً، ولا نزال نقرأ كتب الأساطير عن عرّافات البيت الأبيض حتّى اليوم.
والمتأمل في موقع الجزيرة العربية يجد مجالاً لتحليل حياة أهلها في جميع المجالات.
فهي مغلقة ببحارها الثلاثة، وبصحرائها من الشمال.
تخيرني الجن أشعارها
فما شئت من شعرهن اصطفيت
يوصف الشاعر غالباً بأنه عبقري نسبة لوادي عبقر، وهو المكان الذي زعموه موطنا للجن ونسبوا إليه كل شيء تعجبوا منه، وقد استمر هذا الاعتقاد إلى يومنا هذا نتيجة ما يتذاكره الناس من عبقريات بعض الشعراء.
فهناك من بحث في تفسير كوامن الخيال لدى الشعراء وحاول أن يبرر حالة الخروج عن الاعتيادية بوجود علاقة ما تربط الشعراء بالشياطين، ومن أبرزهم المؤلف أبو زيد محمد القرشي الذي أفرد فصلا خاصا في كتاب "جمهرة أشعار العرب" بعنوان شياطين الشعراء، ذكر فيه ما شاع بين العرب من هذه الأقاويل.
من هذا المنطلق استطلعنا آراء شعراء اليوم حول معتقدات أزلية لازالت تلقي بظلالها على ما ورائية الحالة الشعرية، ولا يزال جمهور المتابع يشكك في قدرات الشاعر على صياغة قصيدته، وتذهب كل هذه الشكوك أو غالبيتها إلى أن هناك قوى خفية تدعم الشاعر أثناء الكتابة ليأتي بهذه الصورة غير المسبوقة ويطرق أبوابا مؤصدة أو بالأحرى لا يمكن لأي عقل طبيعي أن يطرقه، لذا تمت إحاطة الشاعر بسياج من الاتهامات التي ترمز إلى تلبس الجن لهؤلاء الشعراء، فهنا مجموعة من الشعراء يبدون آراءهم حول التهمة التاريخية الحائمة فوق رؤوسهم...
بداية حدثنا الشاعر الدكتور عبدالرحمن المحسني عن الموضوع فقال: قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وهذا يثبت أن الشيطان يتحرك في مدى الأداء البشري عموما، وأنه حاضر لا مع الشعراء فحسب بل هو مع كل عمل، ولأن العمل الشعري يحاط بشرك الشر دائما حتى شاعت المقولة التي تقول إن الشعر نكد بابه الشر فإذا دخل في باب الخير لان) كما نزلت آيات توهم الربط بين الشر والشعر (والشعراء يتبعهم الغاوون) وإن كان نص الآية لا يخص الشاعر بل يتصل بالراوي والناقد. .كل ذلك مع ماشاع في الجاهلية من شياطين الشعر، سوغ لقضية شياطين الشعراء، ولعل الشعراء قد استملحوا ذلك بحسبه تميزا لهم وهم من يهيمون بالتميز، ما دفع بعض الشعراء قديما وحديثا إلى التمسك بهذه الفكرة على حد قول صاحبهم:
إني وكل شاعر من البشر
شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
والواقع أننا لكي نحرر مثل هذه الفكرة نحتاج إلى أن نعرف ماهية الشعر ؛الذي هو موهبة وهبها الله للشاعر كأي موهبة أخرى يمنحها الله للإنسان فإذا غذاها ونماها بالبنى المعرفية اللازمة نضجت هذه الفكرة وولدت حساسية مفرطة عند الموهوب فأصبح ينطق بكلام متميز عطفا على قدراته الربانية من جهة والتنمية الذاتية للموهبة بالقراءات الشعرية والأدبية التي تقف به على أسرار القول فينطق بكلام مختلف، وتكون روحه قادرة على الاستجابة لدواعي تجارب الحياة المختلفة، ولأجل ما يقوله من كلام مختلف يوسم بأن معه شيطان، والواقع أن معه موهبة متميزة، ولأجل ذلك فإننا إذا آمنا بشيطان الشعراء وجب أن نؤمن بشيطان للمبدع الكروي، وشيطان للمبدع التشكيلي، وآخر للمبدع الصحفي، لأنهم يقدمون إذ قدموا أعمالا خارجة عن مألوف العادة. وقد يسأل أحد: ولماذا الشعراء بالطبع من لصق بهم شيطان الشعر؟
والإجابة ببساطة لأن العرب في الجاهلية لم تكن تؤمن ولا تعرف غير الشعر. وهذا هو تفسيرهم للموهبة التي تلقفها نقاد أدباء كابن شهيد وأبي العلاء المعري فيما بعد، وقليل من الشعراء ليهيموا بالفكرة التي التقت بطرافتها مع تصوراتهم ورغبتهم في التفرد.
وفي رأي آخر للشاعر إبراهيم طالع الألمعي يقول فيه: أسطرة القدرات والظواهر لازمة إنسانية لتفسير كل علّة مجهولة لا يدركها الإنسان.
فقبل إدراك العلة الطبيعية للمطر كنّا نعرف - هنا - مظهر (النُّشءرَة) وهي: ادّعاء المقدرة على استمطاره من فئة يستغلون خبراتهم في معرفة المنازل والفصول والمواسم، مقنعين المزارعين الذين تهيئهم شدة الحاجة إلى الماء الذي يقل هنا، تهيئهم للقناعة بقدرات أولئك.
وكان كل مرض نفسيّ أو اختلال عصبي هو من الجن أو السحر أو العين، وانفصام الشخصية (الشيزوفرينيا) كانت نوعاً من التّلبّس.. وهذا يعود إلى التصور العلميّ المطلق الملازم للإنسان ما دام إنساناً، ولا نزال نقرأ كتب الأساطير عن عرّافات البيت الأبيض حتّى اليوم.
والمتأمل في موقع الجزيرة العربية يجد مجالاً لتحليل حياة أهلها في جميع المجالات.
فهي مغلقة ببحارها الثلاثة، وبصحرائها من الشمال.